1- ملاحظات عامة حول القصة :
- تتحدث هذه القصة عن استخفاء رجل من أبي جعفر المنصور في حيين من أحياء البصرة، الواحد تلو الآخر، وما لقيه من مضايقات، اعتبر بعضها من الكرم، والبعض الآخر من اللؤم.
- أورد الجاحظ هذه القصة في كتابه "البخلاء" لأنها تركز على موضوع قريب من موضوع كتابه، وهو اللؤم الذي قوبل هنا بالكرم ومن ثم فهو من البخل. وهذا يحيل على مقولة العلماء والفلاسفة المسلمين الذين يقولون بتلازم الصفات. فكل صفة تستلزم صفة أخرى. فالبخيل مثلا هو أصلا جبان، لأن الذي لا يجود بدرهم لا يجود بما هو أكبر منه وهو النفس.. وهكذا.
- هذه القصة موثقة تاريخيا بذكر أسماء شخصياتها الحقيقية، وخاصة المعروفة منها مثل الخليفة أبي جعفر المنصور وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن. وموثقة كذلك بذكر أمكنة حقيقية ومعروفة. وتوثيقها يوهم بواقعيتها وبأنها وقعت بالفعل.
- هذه القصة بلا عنوان بخلاف الكثير من قصص كتاب "البخلاء". وقد يكون السبب في ذلك هو كونها لا تتحدث عن البخل والبخلاء بطريقة صريحة مثل القصص الأخرى، وإنما عن موضوع قريب منهما لذلك لم تفرد بعنوان.
- موضوع القصة البارز هو "الاستخفاء" الناتج عن الخوف من الخليفة وعماله، فحادث الاستخفاء مسبوق بحدث يجهله القارئ، ولكن بإمكانه تخيله بالنظر إلى منطق الأحداث، أن عبد النور ما فرّ واختبأ إلا لأنه أتى فعلا أغضب الخليفة.
- القصة من حيث أحداثها، مقسمة إلى قسمين، لكل قسم أحداثه وشخصياته وفضاؤه وزمانه وعقدته وبدايته ونهايته، وكل منهما يصلح أن يكون قصة مستقلة ، وهما:
1- القسم المتعلق بحي عبد القيس.
2- القسم المتعلق بحي بني تميم.
ولكن الشخصية الرئيسة هي هي في القسمين معا، وهي التي تربط بينهما، وتفرقهما، تربط بينهما لأنهما يتحدثان عنها، وتفرقهما بتدخلها الذي يدل على تحول السارد/الجاحظ باعتباره راو ثان لراو آخر أو لمجموعة من الرواة وهم الذين أشار إليهم في مقدمة القصة بقوله: "قالوا"، وقيام الشخصية الرئيسة بدور آخر وهو سرد بقية قصتها.
العنصر الآخر الرابط بين قسمي القصة هو ثنائية الاستخفاء والظهور.
- لهذه القصة بداية مثلها مثل جميع النصوص القصصية القديمة دون أن تشبهها في بداياتها. نلاحظ أن هذه النصوص القصصية كثيرا ما تبدأ مؤكدة على الزمن كقولها مثلا: "كان في قديم الزمن" أو تبدأ مؤكدة على المكان من مثل: "كان في بلاد بعيدة" أو في جزيرة نائية" لكن قصتنا تأخذ وجهة أخرى وتبدأ بالشخصية الرئيسة في ارتباطها بفعل معين وزمن ومكان معينين، يقول الراوي:
"قالوا: كان عبد النور كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن قد استخفى بالبصرة في عبد القيس..."
- نهاية القصة، لا تحلّ عقدتها وإنما تنهي النص القصصي المقروء، مادام مشكل عبد النور بقي هو هو. وهي بذلك نهاية مفتوحة أي أنها تجعلنا نفترض النهاية التي نراها مناسبة وممكنة، مادام عبد النور/الراوي يتدخل في الأخير، مما يجعلنا نستبعد كل فرضية لنهاية أسوأ مما عاشه في استخفائه. وهذا يفتح المجال، تخييليا، لتجدد عقدة القصة دون أن يقطع رأسه، لأن الراوي/عبد النور حاضر في نهاية القصة.
- نتيجة الاستخفاء تعرف الشخصية الرئيسة على أعلى درجات اللؤم وأعلى درجات الكرم.
قراءة ممتعة . 📖
لقد قرأت مقالتكم حول القصة في كتاب البخلاء بكل اهتمام وشغف. أود أولاً أن أشيد بعمق تحليلكم وقدرتكم على إبراز الجوانب المختلفة للقصة بطريقة مفصلة وواضحة. لقد أثريتم فهمي للنص بتوضيحاتكم حول الشخصيات والأحداث، وكيف تتداخل عناصر الكرم واللؤم في سياق القصة. كما أقدر جهودكم في ربط القصة بالسياق التاريخي والأدبي، ما يعطي القارئ فهماً أعمق للمواضيع المطروحة. مقالتكم ليست مجرد تحليل، بل درس في فهم الأدب وتقديره. أتطلع لقراءة المزيد من كتاباتكم في المستقبل.